الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: فيض القدير شرح الجامع الصغير من أحاديث البشير النذير **
قال ابن عربي: العلل في طريق السالكين ليس لها محل إلا النفوس فقط لا حظ فيها للعقول ولا للبدن فإن دواء علل العقول اتخاذ الميزان الطبيعي وإزالة الفكر ومداومة الذكر ليس إلا وعلل البدن الأدوية الطبية، وأما أمراض النفس فثلاثة: مرض في الأقوال كالتزام قول الحق فإن الغيبة حق وقد نهى عنها، والنصيحة في الملاحق وهي نصيحة مذمومة وكالمنِّ والتحدث بما لا يعني ونحو ذلك، ومرض في الأفعال كالرياء والعجب، ومرض في الأحوال كصحبة للأولياء ليشيع أنه منهم وهو في نفسه مع شهوته، فمن عرف هذه العلل وأدواءها وخلص نفسه منها فقد نفعها، وذلك أفضل الجهاد مطلقاً فإنه فرض عين مطلقاً. - (ابن النجار) في تاريخه (عن أبي ذر) ظاهر صنيع المصنف أنه لم يره مخرجاً لأحد من المشاهير الذين وضع لهم الرموز وهو ذهول عجب، وقد خرجه الحافظ أبو نعيم والديلمي من حديث أبي ذر بلفظ: أفضل الجهاد أن تجاهد نفسك وهواك في ذات اللّه. 1248 - (أفضل الحج العج) بفتح العين المهملة (والثج) أي أفضل أعمال الحج رفع الصوت بالتلبية وصب دماء الهدي كذا في الكشاف. قال الطيبي: أراد بهما الاستيعاب فبدأ بالإحرام الذي هو الإهلال، وانتهى بالتحلل الذي هو إهراق دم الهدي فاكتفى بالمبتدأ والمنتهى عن سائر أعماله: يعني أفضل الحج ما استوعب جميع أعماله من أركان وشروط ومندوبات. قال ابن عبد السلام: وأفضل أركان الحج الطواف فهو أفضل من الوقوف لشبهه بالصلاة، والعج رعف الصوت بالتلبية والثج إراقة الدم وكل سائل، لكن سائل الحج هو الدم كما في العارضة. - (ت) في التفسير (عن ابن عمر) بن الخطاب، وفيه الضحاك بن عثمان قال أبو زرعة: ليس بقوي ووثقه ابن معين (ه ك) في الحج (هق) كلهم (عن أبي بكر) الصديق وصححه الحاكم، وأقره الذهبي في التلخيص وإنه لشيء عجاب، مع أن فيه يعقوب بن محمد الزهري أورده هو -أعني الذهبي - في الضعفاء، وقال: ضعفه أبو زرعة وغير واحد، وفيه أيضاً محمد بن إسماعيل بن أبي فديك أورده في ذيل الضعفاء وقال ثقة مشهور. قال ابن سعيد: ليس بحجة (ع عن ابن مسعود) قال: سئل رسول اللّه صلى اللّه تعالى عليه وسلم أي الحج أفضل؟ فذكره، واستغربه الترمذي وهو معلول من طرقه الثلاثة. قال ابن حجر: حديث ابن ماجه عن ابن عمر فيه إبراهيم بن يزيد الجوزي وحديث الحاكم عن أبي بكر فيه [ص 32] انقطاع بين المنكدر وعبد الرحمن بن يربوع، نبه عليه الترمذي وحديث أبي يعلى عن ابن مسعود فيه الواقدي اهـ. 1249 - (أفضل الحسنات) المتعلقة بحسن المعاشرة (تكرمة الجلساء) تفعلة من الكرامة، ومن جملتها بسط الرداء والوسادة وإنما يكون من أفضل الحسنات إذا نويت امتثال الأمر، الموالاة للّه وفي اللّه فإنها من أوثق عرى الإيمان ومن تكرمة الجليس الإصغاء لحديثه كابن أبي رباح كان إذا حدّثه شخص بحديث وهو يعلمه أصغى إليه إصغاء من لم يسمعه قط لئلا يخجل جليسه. قال حجة الإسلام: فيندب إكرام الصاحب والجليس ندباً مؤكداً، وفيه إشارة إلى وصية آداب الصحبة، فمنها كتمان السرّ وستر العيوب والسكوت عن تبليغ ما يسوءه من مذمة الناس إياه وإبلاغ ما يسره من ثناء الناس عليه وحسن الإصغاء عند الحديث وترك المراء فيه، وأن يدعوه بأحب أسمائه إليه، وأن يثني عليه بما يعرف من محاسنه ويشكره على صنيعه في حقه، ويذب عنه في غيبته وينهض معه في حوائجه من غير إحواج إلى التماس وينصحه باللطف والتعريض إن احيج. ويعفو عن زلته وهفوته ولا يعيبه ويدعو له في الخلوة في حياته ومماته ويؤثر التحقيق عنه وينظر إلى حاجاته ويروح قلبه في مهماته ويظهر الفرح بما يسرّه، والحزن بما يضره ويضمر مثل ما يظهره فيه ليكون صادقاً في ودّه سراً وعلناً ويبدأه بالسلام عند إقباله ويوسع له في المجلس، ويخرج له من مكانه، ويشيعه عند قيامه، ويصمت عند كلامه حتى يفرغ من خطابه. وبالجملة يعامله بما يحب أن يعامل به اهـ. وقال غيره: المجالسة وإكرام الجلساء أن يوسع للجليس ويقبل عليه ويصغي لحديثه ويتمكن من الجلوس معه غير مستوفز ولا يعبث بلحيته ولا خاتمه ولا يسبك أصابعه ولا إصبعه في أنفه ولا يكثر البصاق والتنخم والحكايات المضحكات ولا يحدث عن إعجابه بولده أو حليلته أو طعامه أو شعره أو تأليفه أو درسه ولا يكثرن الإشارة بيده ولا الالتفات. - (القضاعي عن ابن مسعود). 1250 - (أفضل الدعاء دعاء المرء لنفسه) لأنها أقرب جار إليه، والأقرب بالرعاية أحق فيكون القيام بذلك أفضل ولأن الداعي لغيره يحصل في نفسه افتقار غيره إليه ويذهل عن افتقاره فقلما سلم من زهو وإعجاب بنفسه وهو داء شنيع والداعي لنفسه تحصل له صفة الافتقار في حق نفسه فتزيل عنه صفة الافتقار صفة العجب والمنة إلى الغير فيكون أفضل وأرجى إجابة، ذكره بعض الأعاظم، وفضل الدعاء يكون بحسب المدعو به وبحسب الوقت وبحسب المدعو له وهو المراد هنا فلا ينافي أفضليته من جهة أخرى، وقد تجتمع الجهات كلها. - (ه ك) في الدعاء عن مبارك بن حسان عن عطاء (عن عائشة) وقال - أعني الحاكم - صحيح واغتر به المصنف فرمز لصحته ذهولاً عن تعقب الذهبي له بأن مباركاً هذا واه اهـ. نعم رواه الطبراني بإسنادين أحدهما - كما قال الهيثمي - جيد، فلو عزاه المصنف له لكان أولى. 1251 - (أفضل الدعاء أن تسأل ربك) خص ذكر الربوبية، لأن الرب هو المصلح المربي فيناسب ذكر العفو (العفو) أي محو الجرائم (والعافية) أي السلامة من الأسقام والبلايا (في الدنيا والآخرة) قال الزمخشري: العفو أن يعفو عن الذنوب، والعافية أن يسلم من الأسقام والبلايا والمعافاة أن يعفو الرجل عن الناس ويعفوا عنه فلا يكون يوم القيامة قصاص، وهي مفاعلة من العفو، وقيل هي أن يعافيك اللّه من الناس ويعافيهم منك. إلى هنا كلامه، وقال الحكيم: العفو والعافية مشتق أحدهما من الآخر، إلا أنه غلب عليه في اللغة استعمال العفو في نوائب الآخرة والعافية في نوائب الدنيا، وذكرهما في الحديث في الدارين إيذاناً بأنهما يرجعان إلى شيء واحد فيقال في محل العقوبة عفا عنه، وفي محل [ص 33] الابتلاء عافاه، ثم المطلوب عافية لا يصحبها أشر ولا بطر واغترار بدوامها فلا ينافي الخبر الآتي: كفى بالسلامة داء، كما يأتي (فإنك إذا أعطيتهما في الدنيا ثم أعطيتهما في الآخرة فقد أفلحت) أي فزت وظفرت، لن لكل نعمة تبعة، ولكل ذنب نقمة في الدنيا والآخرة فإذا زويت عنه التبعات والنقمات تخلص هذا في العفو، وأما في العافية فإنه لابد لكل نفس عند مدبر الأمور من تدبير فكلما تنفس نفساً استمد منه، وفيه السلامة والآفة فإن نزعت الآفة منه سلم ذلك النفس فعوفي من البلاء، فإذا طعم أو شرب قبل ذلك واستقامت الطبائع لهما ولغير ذلك من الأحوال فالعافية أن تدرأ عنك الحوادث التي يحدث منها البلاء أعاذنا اللّه بكرمه، ثم إن قلت: طلب سؤال العافية من اللّه يناقضه ما جاء في غير ما خبر: إن البلاء خير من النعيم، فالجواب: أن البلاء خير ونعمة باعتبارين: أحدهما بالإضافة إلى ما هو أكبر منه إما في الدين والدنيا، والآخر بالإضافة إلى ما يرجى من الثواب، فينبغي أن يسأل اللّه تعالى تمام النعمة في الدنيا والآخرة ودفع ما فوقه من البلاء، ويسأله الثواب في الآخرة على الشكر على نعمته فإنه قادر على أن يعطي على الشكر ما يعطيه على الصبر، قاله حجة الإسلام. قال شيخنا العارف الشعراني: قال لي البرهان بن أبي شريف لا ينبغي لمن وقع في ذنب واحد طول عمره أن يسأل اللّه الرضا، وإنما يسأله العفو، فإذا حصل حصل الرضا، كما أنه لا ينبغي أن يسأل اللّه أن يكون من الصالحين الكمل ورثة الأنبياء. - (حم وهناد) في الزهد (ت ه عن أنس) وقال الترمذي حسن إنما نعرفه من حديث سلمة بن وردان أهو سلمة هذا ضعفه أحمد. 1252 - (أفضل الدنانير) أي أكثرها ثواباً إذا أنفقت (دينار ينفقه الرجل على عياله) أي من يعوله وتلزمه مؤنته من نحو ولد وزوجة وخادم (ودينار ينفقه الرجل على دابته في سبيل اللّه) أي التي أعدها للغزو عليها (ودينار ينفقه الرجل على أصحابه في سبيل اللّه عز وجل) يعني على رفقته الغزاة، وقيل المراد بسبيله كل طاعة، وقدم العيال لأن نفقتهم أهم ما يجب عليه تقديمه ثم دابة الجهاد لمزيد فضل النفقة عليها كما سيجيء بيانه في عدة أخبار، ومقصود الحديث الحث على النفقة على العيال وأنها أعظم أجراً من جميع النفقات كما صرحت به رواية مسلم: أعظمها أجراً الذي أنفقته على أهلك، وخص دابة الغزو وأصحابه الغزاة، لأن النفقة عليهم أهم مما ينفق في الجهاد وأعظمه أجراً غالباً. - (حم م ت ن ه عن ثوبان) مولى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، كذا في الرياض، ولم يخرجه البخاري ولا أخرج عن ثوبان شيئاً. 1253 - (أفضل الذكر لا إله إلا اللّه) إذ لا يصح الإيمان إلا به، ولأن فيه إثبات الإلهية للّه ونفيها عما عداه وليس ذا في سواه من الأذكار، ولأن للتهليل تأثيراً في تطهير الباطن عن الأوصاف الذميمة التي هي معبودات في الظاهر قال الغزالي: ليس شيء من الأذكار يضاعف ما يضاعف الحمد للّه، فإن النعم كلها من اللّه، وهو المنعم والوسائط مسخرون من جهته، وهذه المعرفة وراء التقديس والتوحيد لدخولهما فيه بل الرتبة الأولى من معارف الإيمان التقديس، ثم إذا عرف ذاتاً مقدسة يعرف أنه لا يقدس إلا واحد وما عداه غير مقدس وهو التوحيد ثم يعلم أن كل ما في العالم فهو موجود من ذلك الواحد فقط، فالكل نعمة منه فتقع هذه المعرفة في الرتبة وينطوي فيها مع التقديس والتوحيد كمال القدرة والانفراد بالفعل فلذلك ضوعف الحمد ما لم يضاعف غيره من الأذكار مطلقاً. قال البدر الدماميني: لا يمتنع أن يفوق الذكر مع سهولته الأعمال الشاقة الصعبة من الجهاد ونحوه وإن ورد: أفضل العبادات أشقها لأن في الإخلاص في الذكر من المشقة سيما الحمد في حال الفقر ما يصير به أعظم الأعمال وأيضاً فلا يلزم أن يكون الثواب على قدر المشقة في كل حال فإن ثواب كلمة الشهادة مع سهولتها أكثر من العبادات الشاقة. (تنبيه آخر) قال بعض العارفين: سميت كلمة الشهادة تهليلاً من الإهلال وهو رفع الصوت أي إذا ذكر بما ارتفع الصوت الذي هو النفس الخارج به على كل نفس ظهر فيه غير هذه الكلمة ولذلك كانت أفضل ما قاله النبييون كما في الخبر الآتي، فأرفع الكلمات "لا إله إلا اللّه" وهي أربع كلمات نفي ومنفي وإيجاب وموجوب، والأربعة الأسماء الإلهية أصل وجود العالم، والأربعة الطبيعية أصل وجود الأجسام والأربعة العناصر أصل وجود المولودات والأربعة الأخلاط أصل وجود الحيوان والأربعة الحقائق أصل وجود الإنسان، فالأربعة الإلهية: الحياة والعلم والإرادة والقدرة، والأربعة الطبيعية: الحرارة واليبوسة والرطوبة والبرودة، والأربعة العناصر: ركن النار والهواء والماء والتراب، والأربعة الأخلاط: المرتان والدم والبلغم، والأربعة الحقائق: الجسم والتغذي والحس والنطق، فإذا قال عبده لا إله إلا اللّه على هذا التربيع كان لسان العالم ونائب الحق في النطق، وهذه الكلمة اثنا عشر حرفاً فاستوعبت بهذا العدد بسائط أسماء الأعداد وهي اثنا عشر العشرات والمئون والألوف ومن واحد إلى تسعة، ثم بعد هذا يقع التركيب بما يخرجك من الآحاد إلى ما لا يتناهى، وهو ما يتركب منها فلا إله إلا اللّه وإن انحصرت في هذا القدر في الوجود فجزاؤها لا يتناهى. - (ت) في الدعوات (ن) في اليوم والليلة في ثواب التسبيح (حب ك) في الدعوات (عن جابر) قال الترمذي حسن غريب وقال الحاكم صحيح، وأقره الذهبي. 1254 - (أفضل الرباط) هو في الأصل الإقامة على جهاد العدو بالحرب ثم شبه به الأفعال الصالحة (الصلاة) لأنها أفضل عبادة البدن بعد الإيمان، ولفظ رواية الطيالسي: الصلاة بعد الصلاة، فكأنه سقط من قلم المصنف (ولزوم [ص 35] مجالس الذكر وما من عبد) أي مسلم (يصلي) فرضاً أو نفلاً (ثم يقعد في مصلاه) أي المحل الذي صلى فيه (إلا لم تزل الملائكة تصلي عليه) أي تستغفر له (حتى يحدث) أي ينتقض طهره بأي ناقض كان أو يحدث أمراً من أمور الدنيا وشواغلها (أو يقوم) من مصلاه ذلك متى قام. - (الطيالسي) أبو داود (عن أبي هريرة) وفيه محمد بن أبي حميد فإن كان المدني فضعفوه أو الزهري فشبه المجهول كما في الضعفاء للذهبي. 1255 - (أفضل الرقاب) أي للعتق (أغلاها ثمناً) بغين معجمة عند الجمهور، وروي بمهملة أيضاً ومعناها متقارب. قال النووي: هذا فيمن يعتق واحدة، فلو أراد الشراء بألف للعتق فالعدد أولى، وفارق السمينة في الأضحية: بأن القصد هنا فك الرقاب وثم طيب اللحم اهـ. قال ابن حجر: ويظهر اختلافه باختلاف الأشخاص، والضابط أن الأفضل أيهما أكثر نفعاً قل أو كثر، وأخذ منه مالك ندب عتق كافرة هي أغلى ثمناً من مسلمة، قلنا قد قيد في حديث آخر بالمسلمة (وأنفسها) بفتح الفاء أحبها وأكرمها (عند أهلها) أي ما اغتباطهم به أشد فإن عتق مثله إنما يقع غالباً خالصاً - (حم ق ن ه عن أبي ذر) الغفاري، قال: سألت رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم: أي الرقاب افضل؟ قال أغلاها ثمناً وأنفسها عند أهلها. قلت فإن لم أفعل؟ قال: تعين صانعاً أو تصنع لآخر، قلت فإن لم أفعل، قال فدع الناس من الشر فإنها صدقة تصدق بها على نفسك اهـ (حم طب عن أبي أمامة) الباهلي. قال الهيثمي: رجال أحمد ثقات. 1256 - (أفضل الساعات) أي ساعات التهجد والدعاء فيه (جوف الليل الآخر) روي بالنصب على الظرف أي الدعاء جوف الليل: أي ثلثه الآخر وهو الجزء الخامس من أسداس الليل كما في النهاية، وفي القاموس: جوف الليل الآخر ثلثه الأخير، ولو حذف ذكر الآخر لكان جوف الليل وسطه، وليس مراداً. قال بعض العارفين: فيناجي المصلي ربه في تلك الساعة بما يعطيه عالم الغيب والشهادة والعقل والفكر من الأدلة والبراهين عليه سبحانه وهو خصوص دلالة بخصوص معرفة يعرفها أهل الليل وهي صلاة المحبين من أهل الأسرار وغوامض العلوم المكتنفين بالحجب فيعطيهم من العلوم ما يليق بهذا الوقت وفي هذا العالم وهو وقت معارج الأنبياء والرسل والأرواح البشرية لرؤية الآيات الإلهية والتقريب الروحاني وهو وقت نزول الحق تقدس من مقام الاستواء إلى السماء الأقرب إلينا للمستغفرين والتائبين والسائلين والداعين فهو وقت شريف، وخرج بالليل النهار فأفضل ساعاته للتعبد فيه أوله. - (طب عن عمرو بن عنبسة) بموحدة ومهملتين مفتوحتين قديم الإسلام محقق الصحبة أبي نجيح السلمي يقال أسلم بعد أبي بكر وبلال وكان يقال هو ربع الإسلام، سكن المدينة ثم نزل الشام. 1257 - (أفضل الشهداء من سفك دمه) أي أسيل دمه وأهلك في أول دفعة أي قطرة من الدم (وعقر جواده) أي جرح فرسه وضربت قوائمه بالسيف، وفي الصحاح: عقر الفرس بالسيف فانعقر: أي ضرب قوائمه. وقال الزمخشري: تقول إن بني فلان عقروا مراعي القوم إذا قطعوها وأفسدوها، والجواد الفرس الجيد. قال الزمخشري: تقول فرس جواد من خيل جياد، وأجاد فلان صار له فرس جواد، والمراد أنه عقر جواده ثم استشهدا وقتلا معاً فيكون له أجر نفسه وجواده، وأما إن قتل ثم عقر جواده فإنما يكون له أجر نفسه وأما أجر جواده فلوارثه فلذلك كان الأول أفضل، وتمسك به من فضل شهيد البر على شهيد البحر، وعكسه البعض تمسكاً بخير: من لم يدرك الغزو معنا [ص 36] فليغزو في البحر فإن غزوة في البحر أفضل من غزوتين في البر. - (طب عن أبي أمامة) رمز المصنف لحسنه، ورواه ابن حبان عن أبي ذر بلفظ: أفضل الجهاد من عقر جواده وأهرق دمه وله شواهد ترقيه إلى الصحة. 1258 - (أفضل الصدقة) أي أعظمها أجراً، قال الحراني: الصدقة الفعلة التي يبدو بها صدق الإيمان بالغيب (أن تصدق) بتخفيف الصاد على حذف إحدى التاءين وبالتشديد على إدغامها (وأنت صحيح) أي والحال أنك سليم من مرض مخوف (شحيح) أي حريص على الضنة بالمال وهو صفة مشبهة من الشح وهو بخل مع حرص فهو أبلغ منه فهو بمنزلة الجنس والبخل بمنزلة النوع، وقيل هو وصف لازم من جهة الطبع (تأمل) بفتح المثناة فوق وبضم الميم (العيش) أي تطمع، كذا هو في جامع الفصولين للمؤلف وهي لفظ رواية النسائي، ورواية البخاري: الغنى: بغين معجمة مكسورة ثم وقفت على خط المؤلف فوجدته الغنى فتقول أترك مالي في بيتي لأكون غنياً وقد أعمر طويلاً (وتخشى) أي والحال أنك تخشى (الفقر) أي تقول في نفسك لا تتلف مالك لئلا تصير فقيراً، فمجاهدة النفس حينئذ على إخراج المال آية صحة القصد وقوة الرغبة فكان لذلك أفضل، لأن المراد أن شح النفس هو سبب هذه الأفضلية (ولا تمهل) بالجزم نهي وبالرفع نفي، فيكون مستأنفاً وبالنصب عطف على تصدق وكلاهما خبر مبتدأ محذوف: أي أفضل الصدقة أن تتصدق بها حال صحتك على احتياجك لما في يدك ولا تؤخر (حتى إذا بلغت) الروح يدل عليه السياق (الحلقوم) بضم الحاء المهملة الحلق أي قاربت بلوغه أي الوصول إلى مجرى النفس عند الغرغرة ولم تبلغه بالفعل إذ لو بلغته لما صح تصرفه (قلت لفلان كذا ولفلان كذا) كناية عن الموصى به والموصى له: أي إذا وصلت هذه الحالة وعلمت أن المال صار لغيرك تقول للورثة أعطوا فلاناً من مالي كذا، واصرفوا لعمارة المسجد كذا (وقد كان لفلان) أي والحال أن المال في تلك الحالة صار متعلقاً بالوارث فيبطله إن شاء فيما زاد على الثلث، وقيل كناية عن المورث أي خرج عن تصرفه واستقلاله بما شاء من التصرف، فليس له في وصيته كثير ثواب بالنسبة إلى ما كان وهو كامل التصرف، وحاصله أن الشح غالب في الصحة فالصدقة حينئذ أعظم أجراً، وفيه أن المرض يقصر يد المالك عن بعض ملكه، وأن سخاءه في مرضه لا يمحو عنه سمة البخل، ومعنى شحه بالمال أن يجد له وقعاً في قلبه لما يرجوه من طول العمر ويخافه من حدوث الفقر - (حم ق د ن عن أبي هريرة). 1259 - (أفضل الصدقة) أي من أفضلها: وكذا يقال فيما يأتي (جهد) روي بضم الجيم وفتحها فبالضم الوسع والطاقة وهو الأنسب هنا، وبالفتح المشقة والمبالغة والغاية (المقل) بضم فكسر أي مجهود وقليل المال: يعني قدرته واستطاعته وإنما كان ذلك أفضل لدلالته على الثقة باللّه والزهد فصدقته أفضل الصدقة، وهو أفضل الناس بشهادة خبر: أفضل الناس رجل يعطي جهده، والمراد بالمقل الغني القلب ليوافق قوله الآتي: أفضل الصدقة ما كان عن ظهر غنى، أو يقال الفضيلة تتفاوت بحسب الأشخاص وقوة التوكل وضعف اليقين، فالمخاطب بهذا الحديث أبو هريرة وكان مقلاً متوكلاً على اللّه فأجابه بما يقتضيه حاله، والمخاطب بالحديث الآتي حكيم بن حزام وكان من أشراف قريش وعظمائها وأغنيائها ووجوهها في الجاهلية والإسلام (وابدأ) بالهمز وتركه (بمن تعول) أي بمن تلزمك مؤنته وجوباً فقدمه على التصدق تقديماً للواجب على المندوب ولا يتناول ترفه العيال وإطعامهم لذيذ المطاعم بما زاد على كفايتهم لأن من لم تندفع حاجته أولى بالصدقة ممن اندفعت حاجته في مقصود الشارع. - (د) في الزكاة وسكت عليه وأقره المنذري [ص 37] (ك) فيها (عن أبي هريرة) وقال صحيح على شرط مسلم وأقره الذهبي. 1260 - (أفضل الصدقة) قال الراغب: ما يخرج من المال تقرباً كالزكاة، لكن الصدقة في الأصل للمتطوع به، والزكاة للواجب وقيل يسمى الواجب صدقة إذا تحرى الصدق في فعله (ما كان عن ظهر غنى) أي ما كان عفواً قد فضل عن غنى، فزاد لفظ ظهراً إشباعاً للكلام وتمكيناً، وقيل هذا عبارة عن تمكن المتصدق عن غنى ما، كقولهم هو على ظهر سير أي متمكن منه وتنكير غنى ليفيد أنه لا بد للمتصدق من غنى ما، إما غنى النفس وهو الاستغناء عما بذل بسخاء نفس ثقة باللّه كما كان للصديق، وإما غنى مال حاصل في يده، والأول أفضل اليسارين للخبر الآتي: ليس الغنى عن كثرة المال والعرض، وإلا لما ندب له التصدق بجميع ماله ويترك نفسه وعياله في الجوع والشدة (واليد العليا) المعطية وقيل المتعففة (خير من السفلى) أي الآخذة، ومحصول ما في الآثار إعلاء الأيدي المنفقة ثم المتعففة عن الأخذ، ثم الآخذة بلا سؤال وأسفل الأيدي المانعة والسائلة، وقد تقرر أنه لا تدافع بين ذا وما قبله لأن في الصابرين على الإضافة المؤثرين على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة والثاني فيمن ليس كذلك (وابدأ بمن تعول) قال الطيبي: يشمل النفقة على العيال وصدقتي الواجب والتطوع وأن يكون ذلك الإنفاق من الربح لا من صلب المال فعليه كان الظاهر أن يؤتى بألف فعدل إلى الواو ومن الجملة الإخبارية إلى الإنشائية تفويضاً للترتيب إلى الذهن واهتماماً بشأن الانفاق، وفيه أن تبقية بعض المال أفضل من التصدق بكله ليرجع كلاً على الناس إلا لأهل اليقين كالصديق وأضرابه ومحصوله أن الفضيلة تتفاوت بحسب الأشخاص وقوة التوكل وضعف اليقين كما مر.
|